حَقَّ الرَّحْمَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ وَمَوْضِعُ السُّكُونِ إِلَيْهَا قَضَاءُ اللَّذَّةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَذَلِكَ عَظِيمٌ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَأَمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ خَلْقُ رَبِّكَ وَ لَحْمُكَ وَدَمُكَ وَأَنَّكَ تَمْلِكُهُ لَا أَنْتَ صَنَعْتَهُ دُونَ اللَّهِ وَ لَا خَلَقْتَ لَهُ سَمْعاً وَلَا بَصَراً وَلَا أَجْرَيْتَ لَهُ رِزْقاً وَلَكِنَّ اللَّهَ كَفَاكَ ذَلِكَ بِمَنْ سَخَّرَهُ لَكَ وَائْتَمَنَكَ عَلَيْهِ وَاسْتَوْدَعَكَ إِيَّاهُ لِتَحْفَظَهُ فِيهِ وَتَسِيرَ فِيهِ بِسِيرَتِهِ فَتُطْعِمَهُ مِمَّا تَأْكُلُ وَتُلْبِسَهُ مِمَّا تَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفَهُ مَا لَا يُطِيقُ فَإِنْ كَرِهْتَهُ خَرَجْتَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ وَاسْتَبْدَلْتَ بِهِ وَلَمْ تُعَذِّبْ خَلْقَ اللَّهِ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
حَقُّ الرَّحِمِ، فَحَقُّ أُمِّكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتْكَ حَيْثُ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَداً وَأَطْعَمَتْكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبِهَا مَا لَا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَداً وَأَنَّهَا وَقَتْكَ بِسَمْعِهَا وَبَصَرِهَا وَيَدِهَا وَرِجْلِهَا وَشَعْرِهَا وَبَشَرِهَا وَجَمِيعِ جَوَارِحِهَا مُسْتَبْشِرَةً فَرِحَةً مُحْتَمِلَةً لِمَا فِيهِ مَكْرُوهُهَا أَلَمُهَا وَثِقْلُهَا وَغَمُّهَا حَتَّى دَفَعَتْهَا عَنْكَ يَدُ الْقُدْرَةِ وَأَخْرَجَتْكَ إِلَى الْأَرْضِ فَرَضِيَتْ أَنْ تَشْبَعَ وَتَجُوعَ هِيَ وَتَكْسُوَكَ وَتَعْرَى وَتُرْوِيَكَ وَتَظْمَأَ وَتُظِلَّكَ وَتَضْحَى وَتُنَعِّمَكَ بِبُؤْسِهَا وَتُلَذِّذَكَ بِالنَّوْمِ بِأَرَقِهَا وَكَانَ بَطْنُهَا لَكَ وِعَاءً وَحِجْرُهَا لَكَ حِوَاءً وَثَدْيُهَا لَكَ سِقَاءً وَنَفْسُهَا لَكَ وِقَاءً تُبَاشِرُ حَرَّ الدُّنْيَا وَبَرْدَهَا لَكَ وَدُونَكَ فَتَشْكُرُهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ.