نام کتاب : المفردات في غريب القرآن - مع ملاحظات العاملي (الكوراني) نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 0 صفحه : 27
فانبرى فقهاء السلطة لتبرير القياس ، واستدلوا عليه بكلمة «فاعتبروا» في قوله تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ .
ومعنى الآية: خذوا العبرة من مصير بني قريظة لما نقضوا عهدهم مع النبي‘وتحزَّبوا مع الأحزاب ، فلما انهزم الأحزاب قذف الله في قلوبهم الرعب فاستسلموا وخرَّبوا بيوتهم بأيديهم !
ولا قياس في الآية ، لكن هؤلاء الفقهاء ، وأكثرهم من الفرس ، قالوا: إن معنى: فاعتبروا: فقيسوا ، لأن الإعتبار بالفارسية: الوزن ، فقالوا معناها: زنوا الأمور يا أولي الأبصار ، أي قيسوا الشريعة !
ثم حبَّروا في كتب الفقه وأصول الفقه مئات الصفحات لإقناعك بأن الإعتبار في الآية بمعنى القياس ، حتى قال الجصاص في الفصول «٤/٣١» إن ابن سريج كتب نحو خمس مئة ورقة ، في الإستدلال بالآية على القياس!
وقال الآمدي في الإحكام«٤/١٥٢»: «والمعتمد في ذلك الإحتجاج بقولــه تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ، أوجب الإعتبار وأراد به القياس» !
وقد كتبنا في: ألف سؤال وإشكال «٢/٥١٤» أن أصل حجتهم على القياس والظنون عملُ عمر بن الخطاب ، أما محاولتهم الإستدلال بالآية فتبريرٌ لذلك .
قال ابن حزم في المحلى«١/٥٧» :« ومن العجيب أن يكون معنى الإعتبار القياس ويقول الله تعالى لنا: قيسوا . ثم لايبين لنا ماذا نقيس ، ولا كيف نقيس ، ولا على ماذا نقيس» !
إن استدلالهم باعتبروا على القياس مثلٌ صارخ لخطر تعويم النص الديني والخروج عن مدلوله المطابقي أو الإلتزامي . ومثلٌ واضح لضرورة فهم اللغة من أهلها ، والحذر من رواسب اللغات الأم .
من ليس له خبرة كافية بالعربية لا يكون فقيهاً
ذلك أن لغة الإسلام العربية ، فلا بد للباحث والفقيه من معرفة قواعدها ، وفهم معانيها ، والخبرة بتراكيبها ، ليستطيع القول إن المعنى المقصود لله تعالى أو للنبي‘هو هذا ، فيبني عليه ويفتي به .
إن الإجتهاد يتوقف على استظهار المعنى من النص ، ولا يمكن الإستظهار بيقين إلا بفهم اللغة وقواعدها . وليس هذا تنقيصاً لمقام الباحث والفقيه من غير العرب ، فقد عشتُ في إيران نحو عشرين سنة ، واختلطت بالفرس وتكلمت بالفارسية وترجمت منها ، لكني لم أعش بين أهل اللغة محضاً ، ولذلك لا أعدُّ نفسي صاحب خبرة كافية بها تخولني أن أجزم دائماً بمداليل نصوصها .
إن المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها البعض ، فما لم تصبح اللغة الثانية أماً لك كلغتك ، أو خالةً ، فلا
نام کتاب : المفردات في غريب القرآن - مع ملاحظات العاملي (الكوراني) نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 0 صفحه : 27