و لا يخفى أنّ اختلال العقل أمر باطنيّ معنويّ، و يستدلّ عليه بآثاره
المشاهدة في الأعمال و الأفكار و الآراء، و قد يختلف النظر و الحكم فيها باختلاف
المحيط و التفكّر مادّيّا أو معنويّا، فمن كان برنامج أموره في حياته راجعا الى
المادّيات و الحياة الدنيويّة و التمايلات النفسانيّة: فهو ضعيف العقل و مختلّ في
تعقّله و تشخيصه ما يصلحه و يفسده.
هذا بالنسبة الى الواقع و الحقيقة، و أمّا في نظر أهل الدنيا
المتوغّلين فيها: فهم عاقلون يعملون بما هو صلاح و خير لهم في العاجلة، بل إنّهم
يسفّهون من يجاهد في تأمين الحياة الروحانيّة و الدار الآجلة الآخرة.
فظهر أنّ تشخيص الخير و الصلاح من أتمّ آثار العقل و أكملها، و هذا
التشخيص إنّما يختلف باختلاف مراتب العقل-.كُلُّ حِزْبٍ بِما
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ*.
فالسفيه بالنظر الحقّ الصائب القاطع: هو الّذي يميل عن سعادة نفسه و
كماله و صلاحه و حسن عاقبته و تأمين حياته الروحانيّة.