و بهذا يظهر أنّ الأكل في الآيات الكريمة انّما استعمل في موارد يراد
فيها مطلق مضغ شيء و محو صورته في الفم في مورد التغذّى. و هذا بخلاف الطعم:
فيستعمل في موارد يراد فيها الأكل مع التذوّق.
.وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ
لَيَأْكُلُونَالطَّعامَ- 25/ 20.ما
لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُالطَّعامَوَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ- 25/ 7.وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَالطَّعامَ- 21/ 8.فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَيُطْعِمُوَ لايُطْعَمُ- 6/ 14 فانّ
الأنبياء المرسلين الى الإنس لدعوتهم لا بدّ و أن يكونوا من سنخ الانس حتّى
يستأنسوا، و لا يعقل أن يكونوا أجسادا بلا أرواح لا حياة فيها حتّى يستغنوا عن
التغذّى، و لا أن يكونوا من سنخ عالم الروح و المجرّد عن المادّة، فانّه حينئذ لا
يحتاج الى إرسال الرسل و البعث الى الناس لدعوتهم، لعدم حصول الانس و الارتباط
فيما بينهم حينئذ في الظاهر. و ان كان الارتباط الروحاني كافيا: فانّ اللّه تعالى
هو المحيط البصير الحكيم السميع، و لا حاجة الى رسول غيره، و انّما يبعث الرسل
ليكونوا مستأنسين بهم و مؤتلفين-.وَ لَوْ جَعَلْناهُ
مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ- 6/ 9 و انّما الفرق بين الأنبياء
و غيرهم: أنّ الأنبياء و أولياءهم انّما يطعمون لتقوية جانب الروح و لإدامة الحياة
الروحانيّة، و أمّا الآخرون فانّهم يطعمون لتقوية الأبدان و نظرا الى تحصيل
الشهوات الماديّة، فالأنبياء و من تبعهم لا يزيدون من تناول الطعام إلّا روحانيّة
و نورا، و أهل الدنيا و المتمايلون الى الشهوات لا يزيدهم الّا حجابا و ظلمة.
و على هذا ترى الأنبياء ينفقون طعامهم إذا رأوا فيه نورا أزيد، و
أمّا المتوغّلون
نام کتاب : التحقيق في كلمات القرآن الكريم نویسنده : المصطفوي، حسن جلد : 7 صفحه : 79