إلّا فعلاً من أفعال العقل، حيث يتصوّر العقل عنواناً يكون مركزاً لتعلّق المحمولات عليه حقيقة، ويتوارد الحالات عليه خارجاً، فيسمّى ذلك جامعاً وموضوعاً، ولعلّ اعتبار ذلك عند العقلاء من جهة مراعاة المسائل واجتنابها عن التشتّت، وعدم انحرافها عن الجهة المبحوثة التي تعلّق الغرض بها، فهو أمرٌ معقول وإن كانت أفراده مختلفة بحسب النوع، فتأمّل.
والشاهد لذلك ملاحظة أنّ أهل الاصطلاح قد يزيدون في تعريفاتهم قيد الحيثيّة، فيقولون موضوع علم النحو هو الكلمة من حيث الإعراب والبناء، وموضوع علم الصرف هو الكلمة أيضاً من حيث الصحّة والإعتلال، وليس ذلك إلّا من جهة أنّهم يلاحظون شيئاً واحداً يكون موضوعاً لعلمين فيحاولون تمييز بعضها عن بعض من خلال التعريفين المذكورين.
فظهر من جميع ما ذكرنا، عدم امتناع فرض الجامع بين الموجودات المتأصّلة، ولا بين الاُمور الاعتباريّة.
وأمّا فرض الجامع بين الاُمور الاعتباريّة والموجودات المتأصّلة، فلو سلّمنا امتناعه، لكن لا حاجة لفرض مثله في موضوع العلم أصلاً، لما قد عرفت بأنّ عمدة موضوعات المسائل تعدّ من الموجودات الخارجيّة والموضوعات الواقعيّة، والاعتبار والانتزاع حتّى لو فرض وجودهما، إنّما يكون ذلك في طرف المحمولات، نظير الأحكام الشرعيّة في علم الفقه حيث لم نلتزم بوجود جامع لها، حتّى يقال بالامتناع، وإن لم تكن المحمولات أيضاً أجنبيّاً عن الموضوع لسبب ارتباط موضوعات مسائلها بها، حيث أنّها مرتبطة بالموضوعات، ولهذه العلّة ترتبط بالموضوع المسمّى بالجامع في العلم.