منك في موقفٍ قطّ مِثْلَ هذا، ولو قيل لي: مَنْ أَشْجَعُ أهلِ الكُوفة مَا عَدَوتُك، فما هذا الَّذي أرى منك؟!
فقال له الحرّ: إنّي واللهِ أُخيِّر نفسي بين الجنَّة والنَّار، فواللهِ لا أختار على الجنَّة شيئًا ولو قُطّعْتُ وأُحْرِقْتُ![1]
ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السَّلام، ولو عَلِم الجيشُ الأمويّ أنّ الحرّ كان يقصد الحسين لرُمِيَ بسهمٍ كما صرَّح بذلك أحدُ أبناء قبيلته - وهو يزيد بن سفيان التَّميميّ - حيث قال:" لو عَلِمْتُ أنَّ الحرَّ ذاهبٌ للحُسَيْن لَرَمَيْتُه بسَهْمٍ مِنْ خَلْفه"، ولعل غيره وهم كثيرٌ كانوا سيفعلون ما صرَّح به يزيد بن سفيان وإن لم يعلنوه؛ لأنَّ الحرّ لم يكن مقاتلًا عاديًّا في جيش بني أميَّة، بل كان قائدًا في الجيش بحيث إنَّ قبيلتين كانت تحت إِمْرَتِه يوم عاشوراء، فقد جعله عمر بن سعد على قبيلتي تميم وهمدان، لكنَّه لذكائه قال لقُرَّة بن قيس أسقيتَ فرسك اليوم؟ - وهو بذلك يهدف للتَّعمية على خروجه والتحاقه بالحسين- فقال له: بلى، لقد سقيتُه الصَّباح، فوكز الحرّ فرسه كأنَّه سيسقيه، وبعدها توجَّه إلى جهة الحسين للانضمام في ركبه.
الصّفة الثَّالثة: الحكمة في التَّصرفات:
حكمة الإنسان في تصرفاته هي الَّتي تقوده إلى أحسن النّتائج، بينما غوغائيّته وانفعاله وغضبه واتّخاذ المواقف الحادّة هي الَّتي تُورده المهالك، والَّذي يظهر من تصرفات الحرّ الرّياحيّ أنَّه كان
[1] الإرشاد، للشيخ المفيد، ج ٢ ص ١٠٠.