وإذا كان عامة المجتمع المسلم قد منع من التواصل مع الأئمة عليهم السلام، وغُيبت توجيهات الأئمة عن ذلك المجتمع، فإن المجتمع الشيعي المؤمن بولاية أئمة الهدى وإمامتهم حافظ على ذلك التواصل واعتمد كلماتهم عليهم السلام مصابيح هدى واتخذهم سفن نجاة، وتحمل في سبيل ذلك ما تحمل.

من هنا فقد أنشأ الأئمة عليهم السلام ما يسمى في التعبير الحديث بـ « المجتمع الموازي» ويعني ذلك أن فئة من الناس ربما تعيش في وسط مجموعة أكبر منها بكثير، ولكن أفراد هذا المجتمع الموازي يمتلكون فلسفة في الحياة متميزة عن ذلك المجتمع الكبير، ولديه منهاج عبادي ومعاملاتي لا يتطابق مئة بالمئة مع الاتجاه الرسمي الحاكم، وهو وإن عاش (فيه) إلا أنه لا يعيش (معه).[1]وربما أطلق بعض المؤلفين على ذلك تعبير « الجماعة الصالحة» أو « الفئة الرسالية » وأظن أن هذه التعابير تُشعر بانتمائها للحالة الحركية من جهة كما تشعر بالقلة من جهة أخرى، بينما نحن نتحدث عن عامة المجتمع المنتمي لأهل البيت عليهم السلام بغض النظر عن كونهم ضمن مشروع عمل سياسي أو لا؟

[1]) النجفي؛ الشيخ هادي موسوعة: أحاديث أهل البيت ( ع )١٠/ ١٧٢ عن أمير المؤمنين عليه السلام « خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم ، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم » وروي عنه أيضا « كن في الناس ولا تكن معهم » وربما فسرت آية ( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) القصص: 20 ، ضمن هذا السياق ، بل وكثير من الأحاديث المشيرة إلى تحبيذ العزلة والانفراد.