نام کتاب : التحقيق في كلمات القرآن الكريم نویسنده : المصطفوي، حسن جلد : 5 صفحه : 176
على خلاف ذلك، فانّ الإنسان بالطبع لا يتوجّه أوّلا الى جانب اليسار
و لا يريد في مقام إظهار القوّة و القدرة و في الحاجة الى الدفاع، أن يتوسل ابتداء
و بالفطرة الى يساره، فهو متأخّر دائما و متخلّف بالطبع عن اليمين: فيناسب هذا
المعنى أن يعبّر عالم الروحانيّة للإنسان باليمين، و عالم الجسمانيّة و البدن
باليسار، فانّ جهة الروح في أمام الإنسان و فيما بين أيديه، و لازم له أن يسلك الى
هذه الجهة، و هو طريق الهدى و سبيل النجاة و الصلاح و السعادة و الكمال.
و أمّا جهة الجسمانيّة: فانّها في جهة الخلف و المؤخّر للإنسان، و
لازم له أن يجعل هذه الجهة وراء ظهره، و لا تكون الدنيا وجهة في حياته و سلوكه.
و إيتاء الكتاب بالشمال: عبارة عن أخذ برنامج للحياة الدنيا، بان
يسير الى هذه الجهة و يجعلها أمام قصده و سلوكه، و يتّبع عن تمايلاته النفسانيّة و
شهواته الجسمانيّة و التحرّك على وفق القوى البدنيّة. فالكتاب هو البرنامج و ما
يضبط و يقدّر و يعيّن للعمل و السير.
و هذا التوجّه الى الحياة الدنيا و أخذ برنامجها: هو المتجسّم
بالسلاسل و المتظاهر في عالم الآخرة بها، و على هذا عبّر في المورد بها.
ثمّ إنّ أخذ هذا البرنامج و اختيار مسير الحياة الدنيا: هو القدم
الأوّل و المرحلة الابتدائيّة من السير القهقرائيّ للإنسان. و إذا تثبّت في هذه
المرحلة و تحقّق العمل بالبرنامج: تحصّل له التقيّد و التعلّق به، و هذا هو مرحلة
الاستقرار تحت قيود الأغلال. ثمّ إذا تحقّق هذا التعلّق و المحدوديّة: يتظاهر
آثاره في ظواهره و في أعضائه و جوارحه، بصورة الخلاف و العصيان و الكفران و
العدوان، و هذا هو مرحلة النار و السعير.
فيظهر أنّ العصيان هو أعلى مرتبة التخلّف و الإعراض، و أتمّ مرحلة في
السير القهقرائيّ للإنسان، و من يرى منه العصيان فهو متجاوز حدّ السلاسل و
الأغلال، و متوغّل في الخلاف و العدوان.