فجهل إبليس حقيقة الحال و غفل عن وجه الربّ و لم يتوجّه الى الروح
الّذي ينفخ من روحه، بل توجّه الى جهة الظاهر الجسمانيّ المادّيّ.
نعم هذا المقام من مزالّ أقدام العارفين: فانّ المعرفة بالمظهريّة و
كونه وجها، إنّما يتوقّف على معرفة المبدأ عزّ و جلّ، حتّى يصحّ مشاهدة وجهه و
جماله و نور كبريائه، و لا سيّما إذا كان الوجه مظهرا تامّا.
و قد زلّت أفكار الملائكة أيضا في هذا المقام-.وَ عَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ....يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ....قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ
الْأَرْضِ- 2/
33.
فلمّا عرّفّهم مقام آدم و شاهدوا مظهريّته التامّة للأسماء: سجدوا له
في المرحلة الثانية-.فَسَجَدَالْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ*- 15/ 30.
و لا يخفى أنّ الملائكة لمّا كانوا متنوّعين من جهة الذوات و المظهريّة،
و لكلّ نوع منهم وجهة خاصّة به و استعداد مخصوص و ليس فيهم ما للإنسان من
الجامعيّة و التماميّة: فلم يكونوا مستغنين عن تعريف مقام آدم، بعد معرفة اللّه
تعالى على مقدار استعدادهم و وسعهم- منهم سُجود لا يَركعون و رُكوع لا يَنتصِبون و
صافّون لا يَتزايَلون و مسبّحونلا يَسْأَمُونَ.
و أمّا الإنسان: فله استعداد و مظهريّة جامعة تامّة، و قابل لأن
تتجلّى فيه الصفات الإلهيّة، و أن يكون وجها كاملا للحقّ تعالى، فمعرفة اللّه عزّ
و جلّ كاف في معرفة الإنسان الكامل-
اللّهمّ عرّفني نفسك فانّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف
نام کتاب : التحقيق في كلمات القرآن الكريم نویسنده : المصطفوي، حسن جلد : 5 صفحه : 54